عــبد الـرحـمـان
لن أنسى يوما تلك الابتسامة الرائعة التي كان يستقبلنا بها; كلما قدمنا إليه من أجل الاطمئنان على حالته , كانت توحي إلينا بالأم الذي يملؤه , في مستقبل ملييء بالبشر والسرور ,كأنما يقول للمرض:سأقهرك يوما , وسأستمر في حياتي مثلما اخترتها أنا
لن أنسى ما حييت أول مرة رأيته فيها , كان جالسا القرفصاء , متكئا على حائط بارد برودة التاريخ الذي عاصره ذلك المستشفى; توقفنا أمامه ليستقبلنا بابتسامته الدافئة ; كأنما يقول لنا ; انظروا لحالة جديدة نادرة تمنيتم مشاهدتها ودراستها
سألناه عن بداية مرضه, فابتسم ونطق بصوته الهاديء الذي دخل بدون استئذان لقلوبنا , واخبرنا انه عاشر الالم والقهر والمرض منذ ازيد من عشرين سنة
تفاجأنا كثيرا ; شاب في الثلاثين من عمره يخفي وراء ابتسامته الدافئة وصوته الهادئ ولحيته الكثيفة , هيكلا عظميا قهره المرض فاستعصى معه العلاج , لكنه أبى ان يكون هناك حدود لأمله في العودة للحياة , وأبى اكثر ان يرفض ما منحه الله عز وجل له , تخفيفا للذنوب ورحمة منه في الدنيا
أحببناه جميعا , كنا نفرح بمساعدته ,والحديث معه , رغم أنه كان قليل الكلام , دائم الابتسام ; لسان حاله ينطق بحمد الله الذي لا نمل من حمده
زرناه ذلك اليوم مساء للاطمئنان عليه , حالته كما هي , غريبة وجدناها , طلب من الخروج لاستنشاق الهواء , فما كان من شقيقه الا أن استجاب لطلبه , فما عرفنا جميعنا أن ذلك كان آخر هواء سيستنشقه
تركناه وغادرنا, على أمل لقائه غدا
عدنا , في الصباح الباكر , لنجده قد رحل لمكان الخارج منه, إما مدفون او مولود ; غرفة للعناية المركزة تفتقد لروح البشر الذين يفترض بهم تأمين هاته العناية
عرفنا آنذاك أنها ستكون النهاية, فالمرة الوحيدة التي زرت فيها ذلك المكان , قدخسرت فيه شخصا احبه جدا , وعلمني الكثير ........فكرهت هذا المكان وكرهت العودة إليه
عبد الرحمان الآن بين يدي ربي الكريم , في جنات الخلد بابتسامته المعهو ذ وبصوته الدافئ ولحيته الكثة ورأسه المائل
ربي تعالى اختاره رفيقا في الجنة ; ليترك في قلوبنا وعقولنا صورة بشر حسبناه حالة نادرة , ليكون بالنسبة لنا ;شخصا لن ننساه ما حيينا ; ولا ننسى ابدا تشبته بالأمل وإيمانه بالقدر الذي منحه اياه من يقدر على منحنا الحياة ومعها الامل
رحمك الله يا عبد الرحمان